فصل: تفسير الآيات (75- 78):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (75- 78):

قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)}.

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت هذه ثانية {قال} الخضر عليه السلام: {ألم أقل} وزاد قوله: {لك إنك} يا موسى {لن تستطيع معي} أي خاصة {صبرًا قال} موسى عليه السلام حياء منه لما أفاق بتذكر مما حصل من فرط الوجد لأمر الله فذكر أنه ما تبعه إلا بأمر الله: {إن سألتك عن شيء بعدها} يا أخي! وأعلم بشدة ندمه على الإنكار بقوله: {فلا تصاحبني} بل فارقني؛ ثم علل ذلك بقوله: {قد بلغت} وأشار إلى أن ما وقع منه من الإخلال بالشرط من أعظم الخوارق التي اضطر إليها فقال: {من لدني عذرًا} باعتراضي مرتين واحتمالك لي فيهما.
وقد أخبرني الله بحسن حالك في غزارة علمك {فانطلقا} بعد قتله {حتى إذا أتيا أهل قرية} عبر عنها هنا بالقرية دون المدينة لأنه أدل على الذم، لأن مادة قرا تدور على الجمع الذي يلزمه الإمساك كما تقدم في آخر سورة يوسف عليه السلام؛ ثم وصفها ليبين أن لها مدخلًا في لؤم أهلها بقوله تعالى: {استطعما} وأظهر ولم يضمر في قوله: {أهلها} لأن الاستطعام لبعض من أتوه، أوكل من الإتيان والاستطعام لبعض ولكنه غير متحد، وهذا هو الظاهر، لأنه هو الموافق للعادة.
قال الإمام أبو الحسن الحرالي في كتابه مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل: ولتكرار الأسماء بالإظهار والإضمار بيان سنين الأفهام في القرآن: اعلم أن لوقوع الإظهار والإضمار في بيان القرآن وجهين: أحدهما يتقدم فيه الإظهار وهو خطاب المؤمنين بآيات الآفاق وعلى نحوه هو خطاب الخلق بعضهم لبعض لا يضمرون إلا بعد أن يظهروا، والثاني يتقدم فيه الإضمار وهو خطاب الموقنين بآية الأنفس، ولم يصل إليه تخاطب الخلق.
فإذا كان البيان عن إحاطة، تقدم الإضمار {قل هو الله أحد} وإذا كان عن اختصاص، تقدم الإظهار {الله الصمد} وإذا رد عليه بيان على حدة أضمر {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد} أي هذا الذي عم بأحديته وخص بصمديته، وإذا أحاط البيان بعد اختصاص استؤنف له إحاطة باستئناف إظهار محيط أو بإضمار، أو بجمع المضمر والمظهر {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم} [الحجرات: 1] {إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدىء ويعيد} [البروج: 12] {هو الله لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة} [الحشر: 22] والتفطن لما اختص به بيان القرآن عن بيان الإنسان من هذا النحو من مفاتيح أبواب الفهم، ومن نحوه {أتيا أهل قرية استطعما أهلها} استأنف للمستطعمين إظهارًا غير إظهار المأتيين- انتهى.
وجعل السبكي الإتيان للبعض، والاستطعام للكل، لأنه أشد ذمًا لأهل القرية وأدل على شر طبعها، ومن قال بالأول مؤيد بقول الشافعي في كتاب الرسالة في باب ما نزل من الكتاب عامًا يراد به العام ويدخلها الخصوص وهو بعد البيان الخامس في قول الله عز وجل: {حتى إذا أتيا قرية استطعما أهلها}: وفي هذه الآية أدل دلالة على أنه لم يستطعما كل أهل القرية وفيها خصوص- انتهى، وبيان ذلك أن نكرة إذا أعيدت كانت الثانية غير الأولى، وإذا أعيدت معرفة كانت عينًا في الأغلب.
ولما أسند الإتيان إلى أهل القرية كان ظاهره تناول الجميع، فلو قيل: استطعماهم لكان المراد بالضمير عين المأتيين، فلما عدل عنه- مع أنه أخصر- إلى الظاهر ولاسيما إن جعلناه نكرة كان غير الأولى وإلا لم يكن للعدول فائدة، وقد كان الظاهر أن الأول للجميع فكان الثاني للبعض، وإلا لم يكن غيره ولا كان للعدول فائدة.
{فأبوا} أي فتسبب عن استطعامهما أن أبى المستطعمون من أهل القرية {أن يضيفوهما} أي ينزلوهما ويطعموهما فانصرفا عنهم {فوجدا فيها} أي القرية، ولم يقل: فيهم، إيذانًا بأن المراد وصف القرية بسوء الطبع {جدارًا} مشرفًا على السقوط، وكذا قال مستعيرًا لما لا يعقل صفة ما يعقل: {يريد أن ينقض} أي يسقط سريعًا فمسحه الخضر بيده {فأقامه}.
ولما انقضى وصف القرية وما تسبب عنه أجاب إذا بقوله: {قال} أي له موسى عليه السلام: {لو شئت لتخذت} لكوننا لم يصل إلينا منهم شيء {عليه} أي على إقامة الجدار {أجرًا} نأكل به، فلم يعترض عليه في هذه المرة لعدم ما ينكر فيها، وإنما ساق ما يترتب عليها من ثمرتها مساق العرض والمشورة غير أنه يتضمن السؤال {قال} الخضر عليه السلام: {هذا} أي الوقت أو السؤال.
ولما كان ذلك سبب الفراق أو محله، سماه به مبالغة فقال: {فراق بيني وبينك} يا موسى بعد أن كان البينان بينًا واحدًا لاتصالهما فلا بين، فهو في الحقيقة فوق ما كان متصلًا من بينهما، أو فراق التقاول الذي كان بيننا، أي الفراق الذي سببه السؤال، وإذا نزل على الاحتباك ازداد ظهورًا، تقديره: فراق بيني وبينك كما أخبرت، وفراق بينك من بيني كما شرطت، وقد أثبتت هذه العبارة الفراق على أبلغ وجه، وذلك أنه إذا وقع فراق بيني من بينك بحائل يحول بينهما فقد وقع منك بطريق الأولى، وحقيقته أن البين هو الفراغ المنبسط الفاصل بين الشيئين وهو موزع بينهما، فبين كل منهما من منتصف ذلك الفراغ إليه، فإذا دخل في ذلك الفراغ شيء فصل بينهما، وصار بين كل منهما ينسب إليه، لأنه صار بين ما ينسب إلى كل منهما من البينين، وحينئذ يكون بينهما مباينة، أي أن بين كل منهما غير بين الآخر ومن قال: إن معنى {هذا فراق بيننا} زوال الفصل ووجود الوصل، كذبه أن معنى هذا اتصال بيننا المواصلة، فلو كان هذا معنى ذاك أيضًا لاتحد معنى ما يدل على الوصل بمعنى ما يدل على الفصل، وقد نبه الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام- كما في تفسير الأصبهاني وغيره- بما فعل الخضر عليه السلام على ما وقع له هو من مثله سواء بسواء، فنبهه- بخرق السفينة الذي ظاهره هلك وباطنه نجاة من يد الغاصب- على التابوت الذي أطبق عليه وألقي في اليم خوفًا عليه من فرعون الغاصب فكان ظاهره هلكًا وباطنه نجاة، وبقتل الغلام على أنه كان معصوم الحركة في نفس الأمر في قتله القبطي وإن لم يكن إذ ذاك يعلمه لكونه لم ينبأ، وبأقامة الجدار من غير أجر على سقيه لبنات شعيب عليهم السلام من غير أجر مع احتياجه لذلك.
ولما كان من المعلوم شدة استشراف موسى عليه السلام إلى الوقوف في باطن هذه الأمور، قال مجيبًا له عن هذا السؤال: {سأنبئك} يا موسى بوعد لا خلف فيه إنباء عظيمًا {بتأويل} أي بترجيع {ما لم تستطع عليه صبرًا} لمخالفته عندك الحكمة إلى الحكمة وهو أن عند تعارض الضررين يجب ارتكاب الأدنى لدفع الأقوى بشرط التحقق، وأثبت تاء الاستفعال هنا وفيما قبله إعلامًا بأنه ما نفى إلا القدرة البليغة على الصبر، إشارة إلى صعوبة ما حمل موسى من ذلك، لا مطلق القدرة على الصبر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

إنه تعالى حكى عن ذلك العالم أنه ما زاد على أن ذكره ما عاهده عليه فقال: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا} وهذا عين ما ذكره في المسألة الأولى إلا أنه زاد هاهنا لفظة لك لأن هذه اللفظة تؤكد التوبيخ فعند هذا قال موسى: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شيء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى} مع العلم بشدة حرصه على مصاحبته وهذا كلام نادم شديد الندامة ثم قال: {قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى عُذْرًا} والمراد منه أنه يمدحه بهذه الطريقة من حيث احتمله مرتين أولًا وثانيًا، مع قرب المدة وبقي مما يتعلق بالقراءة في هذه الآية ثلاثة مواضع: الأول: قرأ نافع برواية ورش وقالون وابن عامر وأبو بكر عن عاصم {نكرًا} بضم الكاف في جميع القرآن والباقون ساكنة الكاف حيث كان وهما لغتان.
الثاني: الكل قرأوا: {لا تُصَاحِبْنِى} بالألف إلا يعقوب فإنه قرأ: {لا تصحبني} من صحب والمعنى واحد الثالث: في {لدني} قراءات.
الأولى: قراءة نافع وأبي بكر في بعض الروايات عن عاصم: {من لدني} بتخفيف النون وضم الدال.
الثانية: قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: {لدني} مشددة النون وضم الدال.
الثالثة: قرأ أبو بكر عن عاصم بالإشمام وغير إشباع.
الرابعة: {من لدني} بضم اللام وسكون الدال في بعض الروايات عن عاصم وهذه القراءات كلها لغات في هذه اللفظة.
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}.
اعلم أن تلك القرية هي أنطاكية وقيل هي الأيلة وههنا سؤالات: الأول: إن الاستطعام ليس من عادة الكرام فكيف أقدم عليه موسى وذلك العالم لأن موسى كان من عادته عرض الحاجة وطلب الطعام ألا ترى أنه تعالى حكى عنه أنه قال في قصة موسى عند ورود ماء مدين: {رَبّ إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].
الجواب: أن إقدام الجائع على الاستطعام أمر مباح في كل الشرائع بل ربما وجب ذلك عند خوف الضرر الشديد.
السؤال الثاني: لم قال: {حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعما أَهْلَهَا} وكان من الواجب أن يقال استطعما منهم، والجواب أن التكرير قد يكون للتأكيد كقول الشاعر:
ليت الغراب غداة ينعب دائما ** كان الغراب مقطع الأوداج

السؤال الثالث: إن الضيافة من المندوبات فتركها ترك للمندوب وذلك أمر غير منكر فكيف يجوز من موسى عليه السلام مع علو منصبه أنه غضب عليهم الغضب الشديد الذي لأجله ترك العهد الذي التزمه مع ذلك العالم في قوله: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شيء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى} وأيضًا مثل هذا الغضب لأجل ترك الأكل في ليلة واحدة لا يليق بأدون الناس فضلًا عن كليم الله.
الجواب: أما قوله الضيافة من المندوبات قلنا: قد تكون من المندوبات، وقد تكون من الواجبات بأن كان الضيف قد بلغ في الجوع إلى حيث لو لم يأكل لهلك وإذا كان التقدير ما ذكرناه لم يكن الغضب الشديد لأجل ترك الأكل يومًا، فإن قالوا: ما بلغ في الجوع إلى حد الهلاك بدليل أنه قال: {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} وكان يطلب على إصلاح ذلك الجدار أجرة، ولو كان قد بلغ في الجوع إلى حد الهلاك لما قدر على ذلك العمل فكيف يصح منه طلب الأجرة قلنا لعل ذلك الجوع كان شديدًا إلا أنه ما بلغ حد الهلاك، ثم قال تعالى: {فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا} وفيه بحثان:
البحث الأول:
يضيفوهما يقال ضافه إذا كان له ضيفًا، وحقيقته مال إليه من ضاف السهم عن الغرض.
ونظيره: زاره من الإزورار، وأضافه وضيفه أنزله، وجعله ضيفه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «كانوا أهل قرية لئامًا».
البحث الثاني:
رأيت في كتب الحكايات أن أهل تلك القرية لما سمعوا نزول هذه الآية استحيوا وجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمل من الذهب وقالوا: يا رسول الله نشتري بهذا الذهب أن تجعل الباء تاءًا حتى تصير القراءة هكذا: فأتوا أن يضيفوهما.
أي أتوا لأن يضيفوهما، أي كان إتيان أهل تلك القرية إليهما لأجل الضيافة، وقالوا: غرضنا منه أن يندفع عنا هذا اللؤم فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن تغيير هذه النقطة يوجب دخول الكذب في كلام الله، وذلك يوجب القدح في الإلهية، فعلمنا أن تغيير النقطة الواحدة من القرآن يوجب بطلان الربوبية والعبودية، ثم قال تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} أي فرأيا في القرية حائطًا مائلًا، فإن قيل كيف يجوز وصف الجدار بالإرادة مع أن الإرادة من صفات الأحياء قلنا هذا اللفظ ورد على سبيل الاستعارة، وله نظائر في الشعر قال:
يريد الرمح صدر أبي براء ** ويرغب عن دماء بني عقيل

وأنشد الفراء:
إن دهرًا يلف شملي بجمعل ** لزمان يهم بالإحسان

وقال الراعي:
في مهمة فلقت به هاماتها ** فلق الفؤوس إذا أردن نصولا

ونظيره من القرآن قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} وقوله: {أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} وقوله: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} وقوله: {أَن يَنقَضَّ} يقال انقض إذا أسرع سقوطه من انقضاض الطائر وهو انفعل مطاوع قضضته.
وقيل: انقض فعل من النقض كأحمر من الحمرة، وقرئ: {أن ينقض} من النقض، وأن ينقاض من انقاضت العين إذا انشقت طولًا، وأما قوله: {فَأَقَامَهُ} قيل نقضه ثم بناه، وقيل: أقامه بيده، وقيل: مسحه بيده فقام واستوى وكان ذلك من معجزاته، واعلم أن ذلك العالم لما فعل ذلك.
وكانت الحالة حالة اضطرار وافتقار إلى الطعام فلأجل تلك الضرورة نسي موسى ما قاله من قوله: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شيء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى} فلا جرم قال: {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي طلبت على عملك أجرة تصرفها في تحصيل المطعوم وتحصيل سائر المهمات، وقرئ: {لتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} والتاء تخذت أصل كما في تبع، واتخذ افتعل منه كقولنا اتبع من قولنا تبع، واعلم أن موسى عليه السلام لما ذكر هذا الكلام قال العالم: {هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} وههنا سؤالات.
السؤال الأول: قوله: هذه إشارة إلى ماذا؟ والجواب من وجهين: الأول: أن موسى عليه السلام قد شرط أنه إن سأله بعد ذلك سؤالًا آخر يحصل الفراق حيث قال: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شيء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى} فلما ذكر هذا السؤال فارقه ذلك العالم وقال: {هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} أي هذا الفراق الموعود.
الثاني: أن يكون قوله هذا إشارة إلى السؤال الثالث أي هذا الاعتراض هو سبب الفراق.
السؤال الثاني: ما معنى قوله: {هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ}؟ الجواب: معناه هذا فراق حصل بيني وبينك، فأضيف المصدر إلى الظرف، حكى القفال عن بعض أهل العربية أن البين هو الوصل لقوله تعالى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} فكان المعنى هذا فراق بيننا، أي اتصالنا، كقول القائل: أخزى الله الكاذب مني ومنك، أي أحدنا هكذا قاله الزجاج، ثم قال العالم لموسى عليه السلام: {سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} أي سأخبرك بحكمة هذه المسائل الثلاثة، وأصل التأويل راجع إلى قولهم آل الأمر إلى كذا أي صار إليه، فإذا قيل: ما تأويله فالمعنى ما مصيره. اهـ.